يستمر الصدام في إيران بين واقع اقتصادي متأزم يعيشه المواطن، وبين ادعاءات لا تتوقف من المسؤولين حيال "الإنجازات" و"التقدم" الذي باتت تحرزه إيران على كافة الأصعدة والمجالات.
ولا يمر يوم إلا وتجد المسؤولين الإيرانيين يتحدثون عن هذه "الإنجازات"، وذلك "التقدم" الذي أصبح يقض مضاجع "أعداء ثورة إيران"، ويجعلهم يستميتون في إفشال هذه "الإنجازات" المزعومة، عبر دعوة الناس إلى التظاهر والاحتجاج.
وفي نظرة إلى تغطية الصحف، اليوم الثلاثاء 20 ديسمبر (كانون الأول)، نلاحظ إنكارا للواقع بشكل رهيب، إذ تمثل هي الأخرى نموذجا من نماذج هروب المسؤولين من الأمر الواقع، والتحدث بوهم وخيال عن إنجازات لا يلمسها المواطن، ولا تخطر على قلب جائع.
وحتى إذا اعترفت هذه الصحف بوجود مشاكل فإنها سرعان ما تحملها على المظاهرات الشعبية والإضرابات العامة، دون أن تعترف بأن فشل الحكومة في سياساتها هو الذي قاد إلى هذه الانتفاضة الشعبية وما رافقها من احتجاجات.
فصحيفة "كيهان"، القريبة من المرشد والفريدة من نوعها في تحليلاتها وقراءاتها، ادعت اليوم أن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران هي بسبب فشل الحكومة السابقة (حكومة روحاني)، وليس لحكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي علاقة في ذلك بعد أن كانت في السابق تستبشر بمجيء رئيسي إلى الحكم، وتدعي أنه سيكون المنقذ للبلاد خلال فترة قصيرة من وصوله للحكم.
من الموضوعات التي كثر اهتمام الصحف الإيرانية بها اليوم الثلاثاء هو موضوع الاتفاق النووي، وزيارة مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران لبحث القضايا الخلافية، وتساءلت صحيفة "مردم سالاري" عن أهداف زيارة مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة، وقالت: "ماذا حصل في الزيارة القصيرة لمسؤولي الوكالة الدولية للطاقة؟" لتؤكد أن لا جديد قد نوقش في هذا الملف، وإنما كانت المفاوضات تدور لمعالجة بعض "سوء الفهم" الحاصل بين الطرفين.
ولفتت صحيفة "اطلاعات" إلى تصريحات كمال خرازي مستشار المرشد، الذي ادعى أن القضايا الخلافية بين الأطراف المتفاوضة حول الاتفاق النووي انحسرت إلى موضوع واحد، وعنونت "اعتماد" بالقول: "رسائل إيجابية تجاه الاتفاق النووي".
لكن وفي الوقت الذي تدعي بعض الصحف والمسؤولون أن إيران تحاول تحسين علاقاتها مع الغرب نجد صحيفة "آرمان امروز" تتحدث عن وجود مشروع جديد يعمل عليه المتطرفون في البرلمان الإيراني يقضي بقطع علاقات طهران الدبلوماسية مع كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بتهمة دعم هذه الدول للاحتجاجات الشعبية في البلاد.
نقرأ الآن تفاصيل بعض الموضوعات في صحف اليوم:
"سازندكي": لا ينبغي أن نخلق حياة لا تطاق لشعبنا بحجة مواجهة "الاستكبار العالمي"
في مقابلة مع صحيفة "سازندكي" انتقد محسن هاشمي رفسنجاني، نجل الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، سياسات النظام الإيراني على الصعيد الخارجي، وانعكاسات ذلك على الداخل الإيراني والوضع المعيشي للمواطنين، وقال إنه لا ينبغي وبحجة مواجهة "الاستكبار العالمي" أن نخلق حياة لا تطاق لشعبنا.
وقال رئيس المجلس المركزي لحزب "عمال البناء" للصحيفة إن الفقر في إيران قد توسع من 20 في المائة، ليصبح الآن 60 في المائة من المواطنين تحت خط الفقر، كما انهارت العملة الوطنية الإيرانية بشكل غير مسبوق.
وحول العوامل والأسباب التي قادت إلى الوضع الراهن، قال هاشمي رفسنجاني: "لو كانت صناديق الاقتراع نشطة وفاعلة بشكل حقيقي لكانت الشوارع مكانا لحركة الحياة الاقتصادية للشعب وليست مكانا للتظاهر والمواجهات".
كما انتقد هاشمي رفسنجاني تصريحات المسؤولين في الحكومة وحديثهم المستمر عن التقدم والإنجازات، وقال: "يجب على المسؤولين أن يحددوا ما الذي يقصدونه بالتحديد من معنى كلمة التقدم"، مؤكدا أن فهم هذه التصريحات أصبح عسيرا على الإيرانيين سواء كانوا نخبا ومثقفين أم مواطنين بسطاء وعاديين.
"هم ميهن": الاستقالات قد تفتح الأبواب أمام التغيير
أما صحيفة "هم ميهن" فأشارت إلى ضرورة أن يستقيل المسؤول أو الشخص غير القادر على تولي منصبه ومسؤولياته، وقالت إن الاستقالة من شأنها أن تفتح الأبواب أمام التغيير والإصلاح.
وقد تكون الصحيفة ذكرت ذلك تعريضا بالمرشد علي خامنئي الذي يعد أكثر المسؤولين الذين طالبهم الشعب في الفترة الأخيرة بالاستقالة، بعد أن اتهموه بالفشل في قيادة البلاد، وجر الخراب والفساد والتخلف والعزلة الدولية إلى إيران، منذ أن استولى على الحكم قبل أكثر من 3 عقود.
وقالت الصحيفة إن للاستقالة أسبابا كثيرة، منها أن يكون هناك شرخ بين المسؤول والنظام السياسي (كحالة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني)، أو شرخ بين المسؤول والمجتمع (كالوضع الحالي)، أو الاحتجاجات الشعبية كما يحدث اليوم أو فشل ذريع في تحقيق وعود سابقة مثلما هو الأمر بالنسبة للحكومة الحالية.
"اعتماد": لا وجود للتوازن في سياسات إيران الخارجية
أشار المحلل السياس، محمود شوري في مقال بصحيفة "اعتماد" إلى أن "أكبر مزحة" في إيران هي الحديث عن وجود سياسة خارجية متوازنة لطهران سواء في عهد حكومة روحاني أو في عهد حكومة رئيسي الحالية، وأوضح أن إيران تجهل اللعب في المشهد الدولي إذ إنها كثيرا ما تخسر عدة جبهات من أجل الحفاظ على جبهة واحدة.
ونوه الكاتب إلى الدعم الإيراني لروسيا، وقال إن الصورة العالمية الآن هي أن إيران تدعم روسيا في عدوانها ضد أوكرانيا، ويجب علينا أن نبحث عن حلول لهذه المشكلة مع الدول الاوروبية مستقبلا، مضيفا أن البعض في الداخل الإيراني لديهم تصور ساذج عن الدور الاستراتيجي، إذ يكفي بالنسبة لهم أن تعتبر طهران بائع سلاح لروسيا لكي يتوهموا أن ذلك دليل على قدرة إيران وقوتها.