الاحتجاجات ولا شيء سواها هي الموضوع الذي هيمن على نشرة الصحف الإيرانية الصادرة اليوم، الأربعاء 28 سبتمبر (أيلول)، بعد أيام من العطل الرسمية في البلاد.
وبالرغم من التغطية الواسعة للأحداث إلا أن التغطية الموضوعية لهذه الاحتجاجات كانت "شبه غائبة" عن تحليلات الصحف وقراءتها، وكان "الصوت المشوّه" لهذه الاحتجاجات هو المسيطر على المناخ الصحافي الإيراني، إذ إن نسبة كبيرة من الصحف تابعة للنظام ومؤسساته بشكل مباشر، والقسم الآخر ذو طبيعة إصلاحية وشبه مستقلة لكنه خائف على مصيره إن أراد الاصطفاف بجانب المتظاهرين علانية ودعم الاحتجاجات، وهو مصير أقل تجلياته تتمثل في الإغلاق والمنع من النشر، وأقصاه اتهام مديري التحرير ومسؤولي الصحف بـ"الخيانة والعمل لصالح الأعداء"، وهي طريقة اعتاد عليها النظام في إيران في تعامله مع الأصوات المنتقدة والموضوعية.
صحيفة "وطن امروز"، المقربة من الحرس الثوري، مثلا وبدل الاهتمام بواقع الاحتجاجات والحديث عن مطالب المتظاهرين تناولت في صفحتها الأولى تصريحات رئيس السلطة القضائية حول معاقبة المحتجين والداعين إلى المظاهرات، وعنونت بالقول: "حان وقت معاقبة الداعين إلى المظاهرات"، لكن الصحيفة بطبيعة الحال لا تسمي هذه الاحتجاجات بالمظاهرات وإنما تصفها بـ"الاغتشاشات" أو "أعمال الشغب" لتبرير قمعها وإسكات المشاركين فيها.
فيما دعت "جوان" الأصولية إلى محاسبة مشاهير الفن والسينما والرياضة، متهمة إياهم بـ"التحريض" على الاحتجاجات، محذرة رئيس السلطة القضائية من التساهل في معاقبة هؤلاء المشاهير.
أما "كيهان"، القريبة من المرشد، فأشارت إلى المظاهرة المؤيدة للنظام، ووصفتها بـ"الملحمة" التي حطمت أحلام أميركا وإسرائيل.
مع ذلك كانت هناك بعض الصحف التي حاولت شرح أسباب هذه الاحتجاجات وخلفياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فصحيفة "أترك" مثلا أشارت إلى شريحة الشباب الذين يشكلون العمود الفقري في الاحتجاجات الفعلية، وعنونت في صفحتها الأولى: "الشباب اليوم مندفعون لأنهم لا يشعرون بالانتماء"، أي الانتماء إلى قيم الجمهورية الإسلامية وشعاراتها.
فيما تطرقت "جهان صنعت" الاقتصادية إلى "شرح خلفية الاحتجاجات"، وأكدت أن الاحتجاجات اندلعت في البداية ردًا على مقتل مهسا أميني، لكنها سرعان ما تحولت إلى مظاهرات عامة رفعت شعارات مناهضة للنظام، بعد أن قوبل المحتجون باستخدام قوات الأمن للقوة "القهرية".
وإذا تركنا موضوع الاحتجاجات نجد موضوع الاتفاق النووي حاضرا كذلك في تغطية الصحف، حيث اعتبرت هذه الصحف بأن زيارة رئيسي إلى نيويورك قد حركت المياه الراكدة في ملف الاتفاق النووي، وأعادت الأمل وإن كان قليلا فيما يتعلق بإحياء الاتفاق النووي.
في موضوع آخر لفتت صحيفة "أترك" في صفحتها الأولى إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لموقع "المونيتور" حول الأوضاع في إيران، ويبدو أن الصحيفة تعمدت اختيار العنوان بعناية لتشير إلى ما يضده في المعنى والدلالة حيث عنونت بقول عبد اللهيان ودعوته الغربيين إلى زيارة إيران لمعرفة الحقائق، وكتبت: "سافروا إلى إيران لتروا ماذا يحدث في شوارع طهران.. حرية التعبير.. حرية الناس في العمل.. حرية الحجاب".
نقرأ الآن تفاصيل بعض الموضوعات في صحف اليوم:
"جهان صنعت": الشارع الإيراني غاضب من طريقة التعامل مع حادثة مقتل مهسا أميني
انتقدت صحيفة "جهان صنعت" وسائل الإعلام الرسمية في إيران، وطريقة تعاملها مع الاحتجاجات، إذ إنها لم تقبل اعتبار المحتجين متظاهرين حقيقيين، وإنما تصفهم بـ"الفوضويين" و"الغوغائيين"، ونقلت عن البرلماني السابق عن التيار الإصلاحي محمود صادقي قوله إن الشارع الإيراني اليوم غاضب للغاية بسبب طريقة تعامل النظام مع حادثة مهسا أميني، والغموض الذي لا يزال يكتنف الموضوع بالرغم من مرور 10 أيام من وفاتها.
وأضاف الكاتب أن النظام قام في الأحداث الأخيرة باتهام عائلة مهسا أميني بأنها تنتمي إلى الحركات المسلحة الداعية إلى إسقاط النظام، كما أن نسب الاحتجاجات المدنية إلى الأجانب يعد افتراءً، وفي النهاية دعا إلى تجمع لأنصاره للتحريض والتأليب على المتظاهرين.
وكمقترح للخروج من الأزمة الراهنة قال صادقي إنه يتوجب على المسؤولين الكشف عن المقصرين الحقيقيين في موت مهسا أميني، وإنزال العقاب بهم وفق القانون ودون تساهل وإهمال، كما يتوجب على النظام أن يقدم اعتذارا من عائلة مهسا أميني، ويطلعهم على تفاصيل التحقيقات كما تطالب العائلة بذلك، مضيفا: "الأهم من ذلك يجب تغيير طريقة التعامل مع الناس وعدم التدخل في شؤونهم الخاصة".
"أترك": الشعب الإيراني أصبح أكثر وعيا من الماضي ونظام الحكم يستنزف قوته بالانشغال في قضايا مختلفة
أما المحلل السياسي حاجي ناصري فقال، حسبما نقلت صحيفة "أترك"، إن المجتمع الإيراني أصبح أكثر وعيا ومعرفة بالتقدم والتطور العالمي، وهو يقارن وضعه مع العالم الآخر باستمرار، مما يفرض على السلطة التفكير في إصلاح الوضع وتحسين الظروف، مؤكدا أن المجتمع الإيراني اليوم يواجه نظام حكم يستنزف طاقته باستمرار في الانشغال بالقضايا المختلفة.
"جوان": "فتنة المرجفين" وضرورة محاسبتهم
في المقابل وصفت صحيفة "جوان"، المقربة من الحرس الثوري، الأحداث الجارية في إيران بأنها "فتنة" قادها "المرجفون" حسب تعبيرها، وتعني بهم مروجي "الشائعات" في الأيام الماضية، مدعية أن موضوع مقتل مهسا أميني شائعة روج لها "المرجفون"، واتهموا الشرطة الإيرانية بقتلها ما حرك مشاعر الناس، ودفع بهم إلى التظاهر والاحتجاج.
وزعمت الصحيفة أن الحقيقة قد انجلت للجميع، ولم يبق سوى عدد قليل من "الغوغائيين" للاحتجاج في الشوارع، مضيفة: "بعد أن خمدت الفتنة ماذا يجب العمل مع دعاة الفتنة"، واستشهدت بالآية القرآنية التي تتحدث عن المنافقين وضرورة معاقبتهم، وهي قوله تعالى: "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا// مَلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا"، وهي دعوة صريحة لإنزال أشد العقوبة بمن تسميهم "مسببي الفتنة" وقارنتهم بالمنافقين في صدر الإسلام.
"جمهوري إسلامي": إطفاء النار المشتعلة في إيران حاليا لن ينهي القصة.. والنار ستبقى تحت الرماد
لكن صحيفة "جمهوري إسلامي" فدعت إلى ضرورة النظر في الجانب الآخر من الحكاية، وقالت مخاطبة التيار الحاكم وإعلامه إن هذه الاحتجاجات لها خلفياتها السياسية والاجتماعية التي يحاول البعض التغافل عنها وإنكارها.
ونوهت الصحيفة إلى أن إيران تشكو من فقدان العدالة وزيادة الفقر والبطالة والشرخ الطبقي والفساد الاقتصادي والإداري، وهي مؤثرة في خلق حالة من الاستياء وعدم الرضا الشعبي.
وأضافت "جمهوري إسلامي" أن "إطفاء النار المشتعلة في إيران هذه الأيام هو جزء من الحكاية وليس كل الحكاية، وهو سيبقي على النار تحت الرماد"، مؤكدة أن البحث عن الحل الجذري للأزمة، يتطلب رؤية الجزء الآخر من الحكاية والقضاء على المشاكل التي أشارت إليها الصحيفة.