تعاملت الصحف الإيرانية الصادرة اليوم، الأربعاء 21 سبتمبر (أيلول)، مع الاحتجاجات التي عمت مختلف المدن في إيران تعاملا خجولا، لا يرتقي إلى المستوى المطلوب من التغطية والاهتمام، حيث نجد صحفا قليلة هي التي تشير إلى الاحتجاجات بعد أن تجاهلتها يوم أمس تجاهلا تاما.
واتسعت الاحتجاجات في إيران بشكل كبير أمس الثلاثاء بعد دخول مدن كبرى جديدة على خط الاحتجاجات- التي انطلقت شرارتها بعد قيام الشرطة الإيرانية بقتل الشابة مهسا أميني بسبب الحجاب الإجباري الخميس الماضي- بدءا من طهران وأصفهان وشيراز وتبريز ومشهدا، ومرورا بقزوين ورشت وزنجان وهمدان، وانتهاء بكرمانشاه وإيلام وخرم آباد وكرمان ومدن أخرى.
وفي عدد اليوم أشارت هذه الصحف إلى الاحتجاجات دون أن تلفت إلى الحجم الكبير لها واتساعها، بحيث شملت جميع المدن والمحافظات الكبرى في إيران، ، فيما هاجمتها صحف أصولية واعتبرتها "فتنة" يقوم بها الأعداء.
وعنونت صحيفة "همدلي" حول هذا الموضوع، وكتبت في صفحتها الأولى: "احتجاجات الشوارع ضد شرطة الأخلاق"، متجاهلة أن الاحتجاجات أصبحت الآن تطالب بأهداف أكبر من محاسبة جهاز الشرطة أو إقالة ذاك المسؤول أو هذا، بل وصلت مطالب المتظاهرين أمس إلى إلغاء قوانين الحجاب الإجباري، وحتى إسقاط النظام ومحاكمة المرشد علي خامنئي، الذي وصفه المتظاهرون بـ"الديكتاتور" و"القاتل" و"المستبد".
كما لفتت صحيفة "اعتماد" إلى وجود تغيير في نوعية المطالب التي يرددها المتظاهرون والمحتجون في إيران، لكنها لم تحدد طبيعة هذا التغيير، واكتفت بالإشارة إلى وجوده خوفا من المحاسبة والمسائلة.
وبالتأكيد فإن التغيير المشار إليه هو ظهور نوع من المطالبة لا سيما لدى شريحة الشباب، تجاوزت المطالبات السياسية الضيقة سابقا، وأصبحت تنادي الآن بتغيير جذري وأساسي في النظام الحاكم برمته.
في مقابل الصحف المترددة والمحتاطة في الحديث عن الاحتجاجات، نجد الصحف الأصولية والمقربة من الحكومة لا تتردد في مهاجمة هذه التظاهرات، ونسبتها إلى الخارج و"أعداء الثورة" كما فعلت صحيفة "كيهان" و"إيران" و"وطن امروز"، والتي أشارت إلى هذه التظاهرات ودور وسائل التواصل في اندلاعها واتساعها، وأكدت على ضرورة إيجاد حل لمعضلة الفضاء الافتراضي الذي بات يهدد "أمن" إيران.
وإذا تركنا موضوع الاحتجاجات وانعكاسات مقتل مهسا أميني على يد الشرطة الإيرانية، نجد الصحف تهتم بالتحركات الدبلوماسية الأخيرة، وتوجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العام للأمم المتحدة، وما قد يترتب عليه من نتائج على صعيد الاتفاق النووي، وعلاقات إيران بالغرب عموما.
ورأت صحيفة "آرمان ملي" أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سوف يواجه "تحديات إعلامية" في نيويورك، مشيرة إلى ما يجري من أحداث في الداخل الإيراني.
أما "ابتكار" فرأت أن هذه الزيارة هي النسخة الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي، معربة عن أملها في أن يستغل رئيسي كافة الوسائل لتحقيق الاتفاق المطلوب مع الولايات المتحدة الإيرانية، وإخراج إيران من الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي باتت تعيشها.
في شأن آخر أشارت صحف إلى قرار المرشد على خامنئي حول أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام، حيث تم حذف اسم الرئيس السابق حسن روحاني، وكذلك علي أكبر ناطق نوري من عضوية هذا المجلس، فيما تمت إضافة اسم نائب الرئيس الإيراني، محمد مخبر، ورئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية مستشار المرشد كمال خرازي إلى قائمة أعضاء المجلس، الذي يختص بحل الخلافات بين مجلس النواب ومجلس صيانة الدستور.
نقرأ الآن تفاصيل بعض الموضوعات في صحف اليوم:
"اعتماد": الأصوليون يرفضون تقديم تنازلات
أشار الباحث والخبير في الشؤون الاجتماعية، تقي آزاد، إلى وجود تغييرات في شكل المطالب التي ينادي بها الشارع الإيراني، كما تظهر ذلك طبيعة الشعارات المرفوعة في التظاهرات، معتقدا أن هناك طيفا من الأصوليين يرون أن تراجع النظام في بعض المواقف، وحل شرطة الأخلاق سيؤدي إلى ظهور مطالب جديدة من قبل المجتمع المدني الإيراني، ويؤدي ذلك بالتالي إلى اضطرار النظام السياسي الحالي إلى تقديم التنازلات والتراجع المستمر أمام المطالب الشعبية.
وأوضح آزاد أن ما يجمع أشكال المطالبة في إيران حاليا هو المطالبة بـ"ضرورة التغيير"، لافتا إلى أن بعض شرائح المجتمع تطالب بتغييرات جذرية وأساسية، فيما تطالب شرائح أخرى بتغيير "الأساليب" والطرق التي يتعامل بها النظام مع القضايا والمشاكل في البلاد.
"مستقل": في أي بلد من البلدان الحليفة مع إيران يكون الحجاب إجباريا؟
انتقدت البرلمانية السابقة عن مدينة طهران، بروانه سلحشوري، توظيف النظام السياسي في إيران لقضية الحجاب، وجعلها جزءا من أيديولوجيته، وقالت إن النظام أخطأ عندما سيّس موضوع الحجاب، وبات يراه جزاء من أيديولوجيته، بحيث يعتقد أن بقاء النظام مرهون ببقاء الحجاب الإجباري، مؤكدة أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال فرض الحجاب على النساء بشكل قهري كما يحدث في إيران.
وأشارت السياسية الإصلاحية إلى حلفاء إيران الإقليميين في لبنان والعراق وتساءلت بالقول: "في أي دول من الدول المتحالفة مع إيران يكون الحجاب إجباريا؟".
ولفتت سلحشوري إلى عدم إمكانية رئيس الجمهورية في تحقيق مطالب الشارع الإيراني اليوم مثل حل شرطة الأخلاق التي كانت السبب في وفاة مهسا أميني، وقالت في هذا الخصوص: "ظاهرة شرطة الأخلاق أوسع من صلاحيات رئيس الجمهورية، فهو مجرد منفذ، ونحن أيضا لا نعلم مَن يعطي الأوامر للتعامل الحاد مع الناس، في الأساس رئيس الجمهورية ما هو إلا منفذ لسياسات فقط".
"كيهان": الاحتجاجات "فتنة" والإصلاحيون يصطادون في الماء العكر
أما صحيفة "كيهان"، المقربة من المرشد علي خامنئي، فأعدت العدة جيدا للسير على خطاها المعهودة، حيث هاجمت الاحتجاجات دون هوادة بعد وصفها بـ"الفتنة" مثلما دأبت على وصف أي أحداث مشابهة تقع في إيران خلال السنوات الماضية.
كما هاجمت الصحيفة الإصلاحيين واتهمتهم بأنهم ينسجمون في موقفهم مع وسائل الإعلام المعارضة و"أعداء الثورة" موضحة أن الإصلاحيين يحاولون الآن الاصطياد في الماء العكر.
كما ادعت الصحيفة أن الولايات المتحدة الأميركية والأوروبيين بعد أن عجزا على تركيع إيران عبر العقوبات والحظر الاقتصادي، قرروا تحريك الرأي العام في إيران وخلق فوضى في البلاد لاستثمارها سياسيا في الضغط على طهران.