بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ؟ سؤال يطرحه بإلحاح كثيرٌ من الإيرانيين اليوم، رغم أن وسائل الإعلام التابعة للنظام قد لا تعكس حجم المأساة الكامنة وراءه، بعد الإعلان عن وفاة الفتاة مهسا أميني التي دخلت في غيبوبة وتوفيت إثر القبض عليها من قبل "شرطة الإرشاد" الإيرانية.
وربما وبلا كثير جدلٍ يتفق كثير من المراقبين للشأن الإيراني على أن قضية المقتولة مهسا أميني، هي أكثر القضايا التي أثارت الرأي العام في إيران وشغلت وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، سواء تلك المنتقدة لأداء النظام في موضوع الحجاب الإجباري أو تلك المنابر الإعلامية التي لا تنفك تردد ما يريده النظام الحاكم ظالما أو مظلوما.
وتعكس الصحف الصادرة اليوم الأحد 18 سبتمبر (أيلول) بعد يومين من العطلة هذا الاهتمامَ الكبير بالموضوع، وإذا استثنينا الصحف الأصولية والمقربة من النظام فإن الصحف الإصلاحية والمستقلة قد جسدت هذه العناية بموضوع الشابة مهسا أميني لافتة إلى حجم التفاعل الشعبي مع الموضوع ومشيرة كذلك إلى ردة الفعل الشعبية واندلاع مظاهرات في مسقط رأسها سقز وعدد من مدن محافظة كردستان غربي إيران للتنديد بما جرى.
وحاولت بعض الصحف أن تستغل الظرف الراهن لمهاجمة ما يسمى في إيران "دوريات الإرشاد"، أو "شرطة الإرشاد"، وهي جهات تتبع لجهاز الشرطة الإيرانية وتركز في عملها على قضايا اجتماعية مثل الحجاب ومحاولات إلزام النساء به ومنع التساهل فيه.
فصحيفة "آرمان ملي" وهي كبرى الصحف الإصلاحية في إيران عنونت في مانشيت اليوم: "مطلب الشعب.. إعادة النظر بشكل جدي في مهام شرطة الأمن الاجتماعي"، ورأت الصحيفة أن النظام الإيراني اليوم بدأ يدفع فواتير هذه السياسات الخاطئة من قبل هذه الأجهزة الأمنية، كما سارت في نفس الاتجاه "مردم سالاري" وعنونت بشكل أوضح: "أوقفوا عمل دوريات الإرشاد".
أما "جهان صنعت" فسخرت بألم من طريقة "إرشاد" الشرطة للنساء على الالتزام بالحجاب، وخصصت صفحتها الأولى لصورة من خريطة إيران بخلفية سوداء قاتمة تعلوها صورة الراحلة مهسا أميني، وعنونت بالقول: "موت إرشادي"، كما استخدمت "همدلي" عنوان "الإرشاد القاتل".
في مقابل كل هذه الضجة والتفاعل من قبل الصحف الإيرانية الصادرة اليوم، نجد الصحف المقربة من الحرس الثوري والمرشد علي خامنئي، مثل "وطن امروز"، و"كيهان"، و"جوان"، تكاد تتجاهل الموضوع تماما وكأن شيئا لم يحدث أساسا أو كأنها صحف تغطي شأنا غير الشأن الإيراني.
وفي المقابل، اهتمت هذه الصحف بمناسبة يوم الأربعين وتصريحات المرشد علي خامنئي الذي اعتبر مسيرة الأربعين لهذا العام "أعظم أربعين في التاريخ"، وأن المسيرات هي" بشرى إلهية"، و"معجزة ربانية".
ومن الموضوعات الأخرى التي اهتمت بها الصحف الموالية للحكومة كذلك زيارة الرئيس الإيراني إلى أوزبكستان والإعلان عن انضمام إيران بشكل رسمي إلى منظمة شنغهاي الاقتصادية بقيادة روسيا والصين. واحتفلت صحيفة "جوان" بهذا الانضمام، وعنونت في المانشيت: "إيران في الطريق السريع نحو الشرق دون توقف".
يمكننا الآن أن نقرأ تفاصيل بعض الموضوعات في صحف اليوم..
"ستاره صبح": شرطة الإرشاد نفّرت الناس من الدين والنظام
في تعليق على مأساة الشابة مهسا أميني، تساءل الكاتب ومدير تحرير صحيفة "ستاره صبح"، علي صالح آبادي، عن الأهداف التي رفعتها الثورة الإيرانية، وما آلت إليه الأوضاع اليوم، لافتا إلى أن من شعارات ثورة عام 1979 العدالة والإنسانية وصيانة حياة الإنسان المسلم وغير المسلم، ونشر الأخلاق الفاضلة. وقال في هذا الخصوص: "السؤال الأساس الذي يطرح نفسه الآن: إلى أي مدى يشعر (أدعياء الثورة) بأنهم مطبقون لهذه الشعارات؟ وإلى أي مدى يلمس الناس إنجازات أدعياء الثورة في هذا الصعيد؟".
وأشار إلى حادثة مقتل مهسا أميني في أحد مراكز "شرطة الإرشاد"، وقال: "اتضح الآن أن دوريات شرطة الإرشاد هذه كانت بلا فائدة من الأساس، فاستنادا إلى الواقع نلاحظ أن سلوك هذه الشرطة جعل الناس متشائمين تجاه النظام والدين".
وأشاد الكاتب بالحرية الشخصية التي كان النظام السابق يتيحها للإيرانيين، مقارنة مع نظام "الجمهورية الإسلامية" وقال إن المتدينين في النظام السابق كانوا في تزايد ملحوظ والمساجد ممتلئة بالمصلين والمحجبات في المدارس والجامعات والأماكن العامة في ازدياد كذلك، لأن الحجاب كان وفق مبدأ "الاختيار" وليس "الإجبار".
وطالب الكاتب ضمنيا النظام الحالي بجعل الحجاب مسألة شخصية وحرية خاصة بالمواطنين ولا دخل للسلطة الحاكمة فيها.
"اعتماد": مهسا أميني سيتم نسيانها.. والجهات المعنية بالسياسات التشريعية لا تتأثر بهذه الأحداث
رأى الدبلوماسي والمتحدث باسم الحكومة السابقة، علي ربيعي، في مقال له بصحيفة "اعتماد"، أن هذه الأحداث سرعان ما سيتم نسيانها من قبل الحكومات في إيران وستصبح مجرد مخزون في العقل الجمعي للشعب الإيراني، مؤكدا أن التجارب المماثلة تثبت أن مثل هذه الأحداث لم تؤثر يوما في تغيير الرؤى والمواقف في السياسات التشريعية والثقافية والاجتماعية في البلاد.
"كيهان": قيدوا العالم الافتراضي.. وحاكموا "مختلقي الشائعات"
في تعليقها على حادثة مقتل الفتاة مهسا أميني، طالبت صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد علي خامنئي القضاء الإيراني بالرد على من سمتهم "مختلقي الشائعات"، واتهمت النشطاء السياسيين في الداخل وكذلك مشاهير الفن والسينما في إيران بأنهم يسيرون في ركب "أعداء النظام" بعد إدانتهم لمقتل مهسا أميني.
كما طالبت الصحيفة ذات النهج المتشدد السلطات الحاكمة في فرض رقابة على العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة سببها ترك النظام وإهماله للعالم الافتراضي وعدم فرض رقابة والإشراف عليه.
"شرق": المفاوضات في طريق مسدود.. وواشنطن تضع آخر مسمار في نعش الاتفاق النووي
في شأن منفصل، أشارت صحيفة "شرق" الإصلاحية إلى المفاوضات النووية لإحياء الاتفاق النووي، وأكدت أنه في الوقت الذي وصلت فيه هذه المفاوضات بالفعل إلى طريق مغلق ومسدود يحاول الكونغرس الأميركي وضع آخر مسمار في نعش الاتفاق النووي وجعل عملية العودة إلى الاتفاق النووي صعبة وعسيرة.
ونوهت الصحيفة إلى مساعي أعضاء جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس الأميركي لإعداد لائحة لجعل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران دائمة السريان والفاعلية بغض النظر عن الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض.