بين الدعوات الصريحة للحرب الواسعة ضد إسرائيل، وبين دعوات الحكمة والتعقل، انقسمت الصحف الإيرانية الصادرة اليوم، الاثنين 30 سبتمبر (أيلول)، في تناولها للتطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة.
صحف أصولية معروفة مثل "كيهان" استندت إلى ما قالت إنه نظريات علماء السياسة التي تؤكد أن أفضل وسيلة لضمان السلام هي الاستعداد للحرب، ورأت أن تجاوزات إسرائيل المتكررة للخطوط الإيرانية الحُمُر يجب أن تقابل برد قوي، يردع إسرائيل من التطاول أكثر على إيران ومصالحها، كما شددت على ضرورة أن يكون الرد المقبل أكبر من الردود السابقة، التي يبدو أنها لم تكن فاعلة في كبح جماح إسرائيل.
في المقابل دعت صحف مثل "آرمان أمروز" إلى أن تسلك إيران خيار الحكمة وتغليب مصلحة الشعب الإيراني مقابل هذا "الجنون" الإسرائيلي، مُهاجمةً المتطرفين الذين يدعون إلى بدء الحرب والصراع العسكري دون أن يأخذوا بعين الاعتبار ظروف إيران وحالتها الراهنة.
صحف موالیة للنظام استمرت بنهجها القديم في استخدام العناوين التي باتت لا معنى لها، في ظل الضربات المتتالية التي يتلقاها النظام وحلفاؤه من إسرائيل وأظهرته بمظهر الضعيف، فصحيفة "تجارت" مثلا كتبت في عنوانها الرئيس: "رعب الصهاينة من القوة العسكرية لمحور المقاومة"، مؤكدة أن قدرات حزب الله لا تزال موجودة، ولم يتم القضاء عليها من خلال القصف والغارات الجوية التي تشنها إسرائيل منذ أيام.
صحيفة" جام جم" لفتت إلى مقتل العديد من القادة العسكريين البارزين بجانب نصر الله، وخصت بالاسم قائد فيلق القدس الإيراني في لبنان عباس نيلفروشان، وكذلك قائد الجبهة الجنوبية في حزب الله علي كركي، الذي عينه نصر الله خليفة لفؤاد شكر الذي اغتيل قبل أشهر.
الصحيفة ذكرت أن كركي ونيلفروشان كان لهما دور كبير بجانب قاسم سليماني في توسيع دائرة محور المقاومة، وتطوير قدراته العسكرية والصاروخية.
صحيفة "جوان"، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، أشارت أيضا إلى ما يعاني منه حزب الله هذه الأيام من ضغوط، لكنها أكدت بأن الحزب لن ينتهى بهذه الضربات، ونقلت تصريح قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري إسماعيل قاآني قوله: "حزب الله يبقى وسنبقى بجانبه"، دون أن تتطرق إلى تفاصيل ذلك وكيفية هذا البقاء، لا سيما وأن حزب الله يعيش أصعب ظروفه، ويصارع من أجل البقاء بعد مقتل عشرات القادة في صفوفه.
والآن يمكن قراءة المزيد من التفاصيل في الصحف التالية:
"كيهان": يجب أن يكون رد إيران العسكري أكبر من الردود السابقة
دعت صحيفة "كيهان" النظام الإيراني بشكل صريح إلى القيام برد عسكري قوي ضد إسرائيل بعد الأحداث الأخيرة، مؤكدة أن السلام لن يجلبه سوى الحرب، وهذه الحرب وحدها هي التي ستخلق قوة رادعة أمام إسرائيل التي أصبحت مصابة "بداء الكلب".
وذكرت الصحيفة أن رد إيران يجب أن يكون أكبر بكثير من ردها السابق على قصف قنصليتها في دمشق، وكذلك ردها على مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، بحيث يخلق قوة تدميرية أكبر لإسرائيل ومصالحها.
كما دعت الصحيفة إلى استهداف المصالح والقواعد الإسرائيلية في دول المنطقة، قائلة: "يجب أن تكون كلفة الصداقة مع إسرائيل عالية على الدول في الشرق الأوسط، لا سيما الدول الضعيفة المحيطة بإيران".
وختمت الصحيفة بالقول إن على نتنياهو أن يعلم بأن طهران ومحور المقاومة جاهزان لكل سيناريو، مضيفة: "في لعبة الجرأة هذه لن نحيد عن الطريق الرئيس. ربما حان الوقت لاستخدام الأسلحة التي ستجعل إسرائيل مندهشة".
"جام جم": أميركا خدعت إيران بدعوتها إلى الصبر
قالت صحيفة "جام جم"، التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، إن إيران تعرضت لخدعة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، التي وعدتها عبر الرسائل المتبادلة بعد مقتل إسماعيل هنية في طهران بإنهاء الحرب في غزة مقابل عدم رد إيران، لكن تبين لاحقا أن هذه كانت خدعة من أجل كسب الوقت لصالح إسرائيل.
الصحيفة ذكرت أن تعلل إيران في ردها بشكل مباشر على مقتل هنية أظهرها أمام أعدائها وحلفائها بمظهر الدولة الضعيفة والخائفة من قدرات عدوها العسكري، مشددة على ضرورة أن تعيد طهران النظر في هذه القضية، وتهتم أكثر في الحفاظ على سمعتها ومكانتها.
كما هاجمت الصحيفة من يدعون إلى التريث وعدم "الوقوع في فخ إسرائيل"، قائلة إن هذه أيضا كانت خدعة تعرضت لها إيران، لافتة إلى أن تجاهل طهران لهذه القضية سيحمل البلاد كثيرا من التبعات والتكاليف في الفترة المستقبلية، ورأت أن إسرائيل سوف تتجرأ أكثر مقابل التردد الإيراني في الثأر لمصالحها وحقوقها.
ونقلت الصحيفة كلام البرلماني السابق علي مطهري الذي قال: "تأخر إيران في الرد على إسرائيل بعد مقتل هنية، في الوقت الذي كان العالم يترقب ردها، أعطى لتل أبيب الجرأة لكي تقوم باغتيال نصرالله أيضا. لقد خدعنا من قبل أميركا التي قامت بإرسال الرسائل، ووعدت بوقف إطلاق النار في غزة".
"آرمان ملي": ما تمر به إيران "فتنة" ويجب أن تطور قدراتها العسكرية لتصبح في مستوى إسرائيل
في المقابل اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، حشمت فلاحت بيشه، في تصريحات نقلتها صحيفة "آرمان ملي" أن ما تمر به إيران اليوم ليس حربا وإنما هي "فتنة"، مشددا على أن ظروف إيران ليست مناسبة لخوض هذا الصراع، ويجب على طهران أن تعزز قوتها العسكرية لكي تكون متساوية في مستوى إسرائيل.
ورأى الكاتب والبرلماني السابق أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا حقق أهدافه واحدا تلو الآخر فإنه سيشرع بعد ذلك بأعمال عدائية ضد إيران، لكن في حال دخلت طهران حربا مباشرة مع إسرائيل فإن هذه الحرب قد تتوسع لتصبح حربا إقليمية، معتقدا أن طهران ستضر مصالح الولايات المتحدة الأميركية إذا دخلت الحرب، نظرا لقرب هذه المصالح من الأراضي الإيرانية.
فيما نقلت الصحيفة كلام مستشار الرئيس الأسبق، محمد علي أبطحي، الذي هاجم "المتطرفين ودعاة الحرب" هذه الأيام، قائلا: على الجميع أن يلتزم بتعليمات خامنئي، الذي اختار حتى الآن خيار تغليب مصالح إيران، ولم ينجر للدعوات المنفعلة للحرب.